تمرير

حكاية ثلاثة من اللاجئين الروهينغيا في بنغلاديش

25 فبراير 2018
قصة
الدول ذات الصلة
بنغلاديش
شارك
طباعة:

1 - رحلة الموت والحياة: حميراء

msf223628_small.jpg

حميراء لاجئة من الروهينغيا في الخامسة والعشرين من العمر وهي في الأصل من مقاطعة مونداو في ولاية راخين. وصلت حميراء إلى بنغلاديش في تشرين الأول (أكتوبر) 2017 بعد أن وصلت أعمال العنف إلى مدينتها. وفي نهاية كانون الثاني (يناير) 2018 التقاها فريق من العاملين في أطباء بلا حدود في المساكن المؤقتة في جامتولي وهي في حالة صدمة فأحضروها إلى مركز الرعاية الأولية التابع للمنظمة حيث تتم معالجتها بالمحاليل المغذية.

تسكن حميراء في المخيم المؤقت مع ابنها محمد فيصل ذي السنوات السبع وابنتها رزينة التي تبلغ من العمر ثلاثة أشهر ونصف والتي يقول الأطباء أنها تعاني من سوء التغذية إذ أن والدتها لم تتمكن من إرضاعها منذ ولادتها. وإن لم يتمكن طاقم العمل في أطباء بلا حدود من مساعدة حميراء على إرضاع الطفلة رضاعة طبيعية فسيكون لزاماً أن تتم تغذيتها بالحليب الصناعي، حسب ما يقول طاقم أطباء بلا حدود. ومحمد فيصل هو من يعتني بالصغيرة ويطعمها رقائق البطاطا بعد أن يغمسها بالماء لتطرى.

الرحيل

حين اندلعت أعمال العنف، قبض أفراد من الجيش في ميانمار على زوجي واقتادوه معهم. لا أدري إن كان قد قتل أم ما زال على قيد الحياة. أخرجونا من منازلنا ثم أحرقوها حتى أصبحت رماداً ثم اعتدوا علينا بالضرب المبرح. حين هربنا، كنت في الشهور الأخيرة من الحمل هربت مع إبني وامرأة أخرى لكننا افترقنا عن بعضنا أثناء الهرب. لم أستطع أخذ أيّ شيء من حاجياتي. مشينا لعدة أيام عبر الغابة، أصابنا جوع شديد ولم نجد ما نأكله سوى أوراق الشجر، وهي ما أبقانا على قيد الحياة. نمنا في الأحراج ثم وصلنا أخيراً إلى ضفة النهر ومن هناك ركبنا في قاربٍ حملنا إلى بنغلاديش.

الرحلة

ولدت طفلتي رزينة أثناء عبورنا للنهر إذ جاءني المخاض بعد أن ركبنا القارب واستغرقت الولادة ثلاث ساعات ساعدني فيها طاقم القارب وامرأة كانت تركب معنا. طيلة الرحلة كنت في حالٍ سيئة. لقد كانت رحلةً شديدة الصعوبة. كل ما كنت أفكر فيه هو أن ألد طفلتي وأهرب بها من العنف الدائر هناك. فكرت في أنني يجب أن أهرب إلى أبعد مكانٍ ممكن، ووضعت ثقتي في الله. وبعد أن وصلنا إلى شابورير دويب [المنطقة الجنوبية من شبه جزيرة كوكس بازار] تم أخذنا بواسطة الحافلة إلى مخيم جامتولي. أعطوني خيمة لأعيش فيها مع طفليّ. لم أكن قادرة على نصب الخيمة فساعدني بعض أهالي القرية على ذلك.

الحاضر

بعد شهر من وصولنا إلى جامتولي بدأت تصلنا بعض المساعدات [الإنسانية]. ولكنني لم أحصل على ما يكفينا من الطعام ولذلك لم أكن قادرةً على إرضاع طفلتي. في البداية شعرت بأنني مريضة. لم أكن أستطيع الجلوس بشكلٍ عادي ولم أتمكن من القيام ببعض الأشياء بسبب الآلام التي كنت أشعر بها في جسدي. الطعام الوحيد الذي أحصل عليه في المخيم هو ما يجده صغيري [محمد فيصل] فيجلبه لي. يذهب طفلي إلى المدرسة ثم يلعب بعد ذلك كرة القدم. هو الذي يغسل ثياب أخته وهو الذي يجلب لنا الماء. آمل أن يتمكن من مساعدتي على التغلب على كافة مصاعب الحياة في المستقبل.

2- رحيلٌ لاينتهي: علي أحمد

msf223610_small.jpg

علي أحمد لاجئ من الروهينغيا يبلغ الثمانين من عمره ويعيش في المخيم المؤقت في جامتولي وهو في الأصل من مدينة في مقاطعة بوثيدونغ في راخين يبلغ عدد البيوت فيها حوالي 5000 بيت. وصل علي أحمد إلى بنغلاديش في الأسبوع الأول من شهر أيلول (سبتمبر) 2017 وهذه هي المرة الثالثة خلال العقود الأربعة الماضية التي يصبح فيها لاجئاً في بنغلاديش. ثلاثة مخيمات مختلفة، مدة لجوء تزيد على الست سنوات في المرات الثلاث مجتمعة، ورحلتا عودةٍ إلى ميانمار. وهو أبٌ لستة أبناء وبنت واحدة وقد مات اثنان من أبنائه في أعمال العنف التي اندلعت ضد الروهينغيا في 2017. اثنان من أبنائه ولدتهما زوجته الراحلة خلال محنة اللجوء الأولى في بنغلاديش. وقبل أن تهب رياح تلك الأحداث على حياته كان عليٌ شاباً طموحاً عمل لمدة سبع سنواتٍ طاهياً في فندق في رانغون (حالياً يانغون) وعاد بعدها إلى راخين لأنه اشتاق إلى عائلته.

الرحلة الأولى

كان ذلك في شهر شباط (فبراير) 1978. كنت في الأربعين من عمري. تعرضت عائلتي للضرب والتعذيب. هربت مع زوجتي وولديّ. خلال الطريق فقدت صوراً كنت أحتفظ بها من الفترة التي عملت فيها في رانغون. كانت تلك الصور عزيزة جداً على قلبي لكنها سقطت في النهر أثناء الرحلة. حين وصلنا إلى بنغلاديش أقمنا في مخيمٍ في أوخيا. وبعد ثلاث سنوات تمت إعادتنا إلى نفس المنطقة في بوثيدونغ. نُقلنا في حافلة ثم في قارب وحين وصلنا إلى بلدتنا قمنا بإعادة بناء منزلنا في نفس البقعة التي كان عليها منزلنا السابق الذي دمروه. بنينا المنزل من الخشب وكان مؤلفاً من أربع غرف وبدأنا بزراعة الأرض التي حوله. عشنا حياةً هادئة لبعض الوقت ولكن المشاكل عادت تدريجياً إلى الظهور: كانوا يسرقون أبقارنا أحياناً كما تعرضنا مراتٍ عديدة للاعتقال.

الرحلة الثانية

في عام 1991 بدأت الأمور تتفاقم فقررنا أن نرحل. كنت قد أمضيت الأعوام الأربعة السابقة مجبراً على العمل القسري بعد أن اختارني الجيش لأنني كنت أتكلم القليل من اللغة البورمية. غادرت القرية مع زوجتي واثنين من أبنائي وزوجتيهما وحفيد واحد. استغرقت الرحلة سبعة أيامٍ حتى وصلنا إلى بنغلاديش. بقينا أربعة أيام في الغابة إلى أن وصلنا إلى نهر ناف. وبعد ثلاثة أيامٍ أخرى وصلنا إلى بنغلاديش وهذه المرة إلى كوتوبالونغ. بقي الجزء الأكبر من عائلتي متفرقاً في أنحاء عدة من راخين. ولم أعد أسمع عنهم شيئاً إلى أن عدت إلى البلدة في عام 1994. كانت الحياة مقبولةً في كوتوبالونغ. كنا نحو 18 ألف شخص في المخيم.

الرحلة الثالثة

كنت فرحاً بعودتي في البداية لكن بعد عدة سنوات، وتحديداً في 2002 تعرضنا للاعتقال وللضرب عدة مرات. كنا ممنوعين من السفر ولم نكن نستطيع حتى الابتعاد ثلاثة كيلومترات عن المنزل. كل يوم كان هناك المزيد من الأخبار السيئة. فكرت كثيراً في العودة إلى بنغلاديش. بعد حدوث عدة حوادث عنف في عام 2014 بدأنا نفكر في أنه يتوجب علينا الرحيل من جديد. شعرنا بأنه لا مكان لنا هنا. في أعمال العنف الأخيرة تم إحراق منزلي وقتل اثنين من أبنائي. الآن هناك تسعة أفراد من عائلتي هنا في جامتولي من بينهم أربعة أبناء وإبنة. لا نعاني من مشاكل كبرى في بنغلاديش ولكن الظروف تسوء مع حلول موسم المطر حيث يصبح من المتعذر علينا الانتقال من مكانٍ إلى آخر. وتصبح الأرض زلقة. نحن لسنا خائفين من العودة إلى ميانمار ولكن نريد أن تُحتَرَم حقوقنا.

3 – الرحلة الأخيرة: بشير الله

msf223612_small.jpg

بشير الله لاجئ في الخامسة والعشرين من العمر وصل حديثاً إلى بنغلاديش من ميانمار. كان قد وصل إلى شاطئ بنغلاديش في 28 كانون الثاني (يناير) 2018، أي بعد أكثر من خمسة أشهر على بدء موجة النزوح الكبرى الأخيرة للروهينغيا في نهاية آب (أغسطس) الماضي. غادر بشير بلدته المؤلفة من حوالي 50 بيتاً في مقاطعة بوثيدونغ ووصل إلى بنغلاديش مع زوجتة سندارا ذات العشرين عاماً ووالدته دوتو ذات الستين عاماً وثلاثة أطفالٍ صغار: حسين أرا (ثلاثة أعوام) وبشيرة (خمسة أعوام) وفيرونغادا (عام واحد). في اليوم الذي تلا وصولهم إلى بنغلاديش وصلت العائلة إلى النقطة الحدودية في سابرانغ في الجنوب من شبه الجزيرة حيث يقوم فريق من أطباء بلا حدود بمسح الوضع الغذائي بين الأطفال وبإجراء الفحوص الطبية للقادمين الجدد وإعطاء بعض اللقاحات. في ذلك اليوم وصل 41 شخصاً إلى سابرانغ في عدة مجموعات بعد أن مضى الأسبوع الذي سبقه بكامله دون وصول أحد. البعض قالوا لنا بأن هناك بين 1000 و 1200 شخص ما زالوا ينتظرون فرصةً للعثور على قاربٍ ينقلهم عبر نهر ناف. وفي الأيام التالية وصل مئاتٌ من الأشخاص إلى بنغلاديش.

رحيلٌ إلى المجهول

كان لديّ أملٌ في أن يتوقف العنف يوماً ما. كنت أنتظر حدوث أمر مفرح لكنه لم يحدث أبداً. انتظرت شهراً، شهرين... لكن الحال لم يتغير، فقررنا الهرب. إذا رآني أفراد الجيش يقومون بضربي. كانوا يستخدموننا في أعمال السخرة (العمل القسري). كنا ممنوعين من التنقل ومجبرين على البقاء في منطقة محددة. كان الجيش يعتقل الناس دون إعطاء أي سبب لذلك. لم أستطع النوم على مدى الأيام الثمانية الأخيرة. عدد سكان قريتي حوالي 500 شخص بعضٌ منهم وصلوا فعلاً إلى بنغلاديش والآخرون يحاولون بيع ممتلكاتهم للحصول على بعض المال ليأتوا إلى هنا. الناس يستميتون من أجل الهرب.

القرار

ليس لديّ أقرباء في بنغلاديش ولم يسبق لي أن أتيت إلى هنا من قبل. اثنتان من خالاتي وجدي ما يزالون في ميانمار. هم أيضاً يريدون أن يأتوا ولكن لا يستطيعون. إذ يجب أولاً أن يبيعوا المواشي التي يمتلكونها ليحصلوا على المال اللازم للرحلة. لم يكن لدينا خيارٌ آخر سوى الرحيل... لم أعد أريد البقاء هناك.

قبل ركوب القارب، أمضينا يومين في الغابة وبعد ذلك وصلنا إلى شاطئ النهر. كان علينا ان ندفع 40 ألف كيات (حوالي 24 يورو) عن كل شخص للمجيء إلى هنا. تركنا كل ما نملكه وراءنا. ليست لدينا أي مشاكل صحية جدية ولكن الرحلة كانت شاقة جداً.

إقرأ المزيد:

بنغلاديش: أزمة اللاجئين الروهينغا مستمرة ولم تنتهي بعد