أبوجا، 4 يونيو/حزيران 2024: سجّلت مرافق أطباء بلا حدود في الأسابيع الأخيرة زيادةً غير معتادة في عدد قبولات الأطفال المصابين بسوء التغذية الشديد الذين يعانون من مضاعفات تهدّد حياتهم، حيث جاء هذا العدد أكبر بمرتين مما كان عليه العام الماضي في بعض المواقع. وقد بات الوضع مرعباً لا سيما وأن هذا العدد الكبير من المرضى وما يرافقه من زيادة في حالات سوء التغذية الحادة يأتي قبل موعد الذروة الموسمية التي تحلّ عادةً في يوليو/تموز.
وإزاء هذا، قال ممثل أطباء بلا حدود في نيجيريا د. سيمبا تيريما: "نلجأ لعلاج المرضى على فرشٍ موضوعة على الأرض لأن مرافقنا ممتلئة. الأطفال يموتون، وما لم تتخذ خطوات فورية، فستكون حياة أطفال آخرين في خطر. ويجب على الجميع أن يتدخل لإنقاذ حياة الأطفال في شمال نيجيريا ومنحهم فرصةً كي يكبروا بمنأى عن سوء التغذية وعواقبه التي تكون كارثية وطويلة الأمد، إن لم تكن فتاكة".
ويجب تعزيز المساعدات الإنسانية على نحوٍ عاجل، وبالتالي تدعو أطباء بلا حدود السلطات النيجيرية والمنظمات الدولية والمانحين إلى اتخاذ خطوات فورية لتشخيص وعلاج الأطفال المصابين بسوء التغذية للحؤول دون وقوع مضاعفات ووفيات، كما يتعين عليها الانخراط في أنشطة دائمة طويلة الأمد للحد من الأسباب التي تكمن وراء هذه المشكلة الملحة.
ويضيف د. تيريما: "نحذّر من أسوأ أزمة سوء تغذية منذ سنتين. فقد كانت الأوضاع في 2022 و2023 خطيرة، إلا أن ثمة صورةً أكثر سوداوية تتكشف في 2024. ولا يمكننا أن نواصل تكرار هذه السيناريوهات الكارثية سنةً تلو الأخرى. لكن ما المطلوب لجعل الجميع يلاحظ ما يجري ويتحرك؟".
وكان فريق المنظمة الطبي العامل في مايدوغوري، في شمال شرق نيجيريا، قد قبل في مركز التغذية العلاجية الداخلي في أبريل/نيسان 2024 ما مجموعه 1250 طفلاً مصاباً بسوء تغذية شديد ويعانون من مضاعفات، أي ضعف عدد القبولات التي سجلها الشهر ذاته من العام الفائت. وقد أُجبِر المركز على رفع طاقته الاستيعابية، حتى بلغ عدد مرضاه 350 مريضاً بنهاية مايو/أيار، أي أكبر بكثير من عدد أسرته البالغ 200 سرير كانت قد أعدت مبدئياً للتعاطي مع ذروة سوء التغذية الموسمية التي تضرب في يوليو/تموز وأغسطس/آب.
كذلك في شمال شرق البلاد، سجّل مركزٌ تديره طواقم أطباء بلا حدود ضمن مستشفى كافين ماداكي في ولاية باوشي زيادةً كبيرةً بلغت 188 بالمئة في عدد قبولات الأطفال المصابين بسوء التغذية الحاد خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2024 مقارنةً بالفترة ذاتها من 2023.
أما في شمال غرب المنطقة، وتحديداً في ولاية زامفارا، فقد جاءت قبولات المراكز الداخلية في شينكافي وزورمي المسجلة في أبريل/نيسان أكبر بمعدل 30 بالمئة عمّا استقبلته تلك المراكز في مارس/آذار. وشهد المرفق الموجود في تالاتا مافارا زيادة بمعدل 20 بالمئة في الفترة ذاتها. كذلك فقد سجل مركزا أطباء بلا حدود الداخليين في مدن رئيسية مثل كانو وسوكوتو
زيادة حادة مقلقة بلغت 75 بالمئة و100 بالمئة على التوالي، في شهر أبريل/نيسان. أما مركز التغذية العلاجية الموجود في ولاية كيبي، فقد وثق أيضاً زيادة تجاوزت 20 بالمئة في عدد القبولات بين شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان 2024.
لكن رغم الأوضاع المقلقة فقد ظلّت الاستجابة الإنسانية الإجمالية غير كافية. إذ تعاني المنظمات غير الحكومية الأخرى النشطة في شمال البلاد وتعمل فوق طاقتها هي الأخرى. وقد أطلقت الأمم المتحدة والسلطات النيجيرية نداءً عاجلاً في مايو/أيار لجمع 306.4 مليون دولار بهدف تلبية الاحتياجات الغذائية الملحة في ولايات بورنو وأداماوا ويوبي. لكن هذا لن يكفي، حيث أنه يتجاهل المناطق الأخرى في شمال نيجيريا التي لا يمكن للقدرات الحالية التي تمتلكها المنظمات أن تستجيب بالقدر الكافي لاحتياجاتها.
هذا ويستدعي الوضع الغذائي الكارثي الذي يشهده شمال نيجيريا في السنوات الأخيرة جهود استجابة أكبر. إذ تواصل عمليات الاستجابة الإنسانية الرسمية إقصاء شمال غرب نيجيريا، علماً أن خفض الأموال المحدودة أساساً المتاحة لهذه المنطقة أثر على نحو خطير في توفير الأغذية العلاجية والتكميلية التي لا بد منها. إذ لم تكن هذه الإمدادات متوفرةً إطلاقاً في ولاية زامفارا خلال الأشهر الأربعة الأولى من العام ولا تتوفر منها اليوم سوى كميات ضئيلة. وأدى هذا النقص إلى اقتصار العلاج على حالات سوء التغذية الشديدة جداً، الأمر الذي أضعف من فعالية جهود الاستجابة التي يتعين عليها التصدي لسوء التغذية أيضاً في مرحلة مبكرة تجنباً لتعريض الأطفال لخطر الوفاة.
ويشرح د. تيريما: "يقلقنا جداً خفض المساعدات في هذا الوقت الحرج. فاقتصار الدعم الغذائي على الأطفال المصابين بسوء تغذية شديد دون غيرهم أشبه بانتظار أن يعتل الطفل لدرجة تعرض حياته للخطر قبل أن نقدم الرعاية. وهنا نحثّ المانحين والسلطات على الإسراع في زيادة الدعم للمقاربتين العلاجية والوقائية، حرصاً على أن يتلقى جميع الأطفال المصابين بسوء التغذية الرعاية التي هم في حاجةٍ ماسة إليها".
يشار إلى أزمة سوء التغذية المستمرة في شمال نيجيريا مردّها عواملُ متنوعة كالتضخم وانعدام الأمن الغذائي وعدم كفاية بنية الرعاية الصحية التحتية والمشاكل الأمنية القائمة وتفشي الأمراض التي تتفاقم بفعل انخفاض تغطية اللقاحات.
وكي نتصدى لسوء التغذية الحاد في شمال نيجيريا لا بد من اتخاذ خطوات وقائية وعلاجية. إذ يتعين على الفور إنشاء وتدعيم مرافق وبرامج رعاية صحية قادرة على تشخيص سوء التغذية وعلاجه بكفاءة. كما ينبغي تعزيز برامج التطعيم التي من شأنها الإسهام في درء الأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، إلى جانب رفع مستوى الأمن الغذائي بمبادرات زراعية وبرامج لتوزيع الغذاء، وأخيراً تحسين خدمات المياه والصرف الصحي ونشر التوعية.