حب وكوليرا: قصتنا من السودان

Valentine Story: Magda and Muhammad
تمرير
27 فبراير 2025
قصة
الدول ذات الصلة
السودان
شارك
طباعة:

اسمي ماجدة رزق، وأنا امرأة سودانية قلبها ممتلئ بالتعاطف تجاه وطنها. نشأت في عائلة كبيرة في السودان، حيث تعلمت وعملت وتزوجت وأسست عائلتي.

 Al Gedaref - cholera treatment unit

وعندما أنظر إلى الأعوام التي مضت، أشعر بأن الحياة التي كنت أعرفها، والذكريات التي عشتها طوال هذه العقود، تبدو وكأنها حلم بعيد تلاشى بفعل واقع قاسٍ فرضته الحرب على مدار عامين. رغم ذلك كله، يظل عملي الإنساني أبرز ما يميز تجربتي وسط هذه المعاناة.

أعمل مع منظمة أطباء بلا حدود منذ أكثر من 25 عامًا. ورغم تخصصي الأساسي في الصيدلة، شغلت العديد من المناصب الميدانية، لا سيما في حالات الطوارئ، التي تطلبت مني تحمل مسؤوليات متعددة لتلبية الاحتياجات العاجلة للناس.

بعد عامين من انضمامي إلى المنظمة، التقيت بزوجي محمد كوكو الذي بدأ عمله آنذاك في الفريق اللوجستي مع أطباء بلا حدود وتزوجنا في عام 1998. عشنا قصة حب تقليدية، إذ جمعتنا مسيرة العمل المشتركة، ثم تزوّجنا وأنجبنا طفلين هما الآن في العشرين من عمرهما. كرّسنا حياتنا لعائلتنا وعملنا الإنساني ووطننا الحبيب السودان.

في حياتنا التي بنيناها معًا، استقرينا في الخرطوم. ولكن بعد يوم من اندلاع الحرب في أبريل/نيسان 2023، لم نجد أمامنا من خيار إلا المغادرة. فانتقلنا إلى منزل عائلتي في ود مدني بولاية الجزيرة حيث تعيش أمي وأفراد آخرون من أسرتي. بقينا في ولاية الجزيرة حتى ديسمبر/كانون الأول 2023، ولكن مع احتدام شدة العنف، اضطررنا إلى مغادرة المكان مجددًا، وهذه المرة توجهنا إلى ولاية القضارف حيث لا يعيش أي من أفراد عائلتنا ولا يتوفّر لنا أي دعم.

في البداية، رفضت أمي مغادرة منزلها، وظلّت متمسكة بالبقاء حتى يونيو/حزيران 2024 حين أقنعناها بالانضمام إلينا. كان قلقنا عليها لا يوصف، ولم أنم الليل من خوفي عليها. ولكن في النهاية، وافقت على الانضمام إلينا بعدما قطعنا وعدًا بأننا سنعود إلى ود مدني، إلى منزلها، عندما تسنح لنا الظروف. إلا أنها وللأسف توفيت في القضارف قبل أن نتمكن من الوفاء بهذا الوعد.

في أغسطس/آب 2024، وبينما كنا نعيش وسط هذه الظروف الصعبة، وجدنا أنفسنا وسط تفشٍ لوباء الكوليرا. فعُيّنت نائبًة لمنسق المشاريع ضمن استجابة أطباء بلا حدود لهذه الحالة الطارئة في مدينة القضارف، علمًا أن عملي تضمّن أيضًا دعم النازحين السودانيين من الخرطوم والجزيرة وسنار من خلال العيادات المتنقلة، ومراكز علاج الكوليرا، وخدمات المياه والصرف الصحي للمجتمع.

وكنا نتساءل في خضم هذا التفشي عما يمكننا فعله؟ إلا أن خيارنا كان واضحًا. اخترنا أن نتمسك بالعهد الذي قطعته عائلتنا: أن ندعم بعضنا البعض ونكرس كل طاقاتنا في خدمة العمل الإنساني. فعملت كنائب المنسق، بينما تولى زوجي قيادة الفريق اللوجستي في الاستجابة لهذا الوباء.

 

توفيت أمي، لكنني تماسكت من أجل الناس

 

 Faces and stories of resilience

 

أتذكر تلك الأيام التي بدأ فيها الناس بالوصول إلى القضارف في النصف الثاني من عام 2024. كان الوضع مأساويًا للغاية، إذ وصل مليون نازح تقريبًا، وكانوا يواجهون تفشي الكوليرا مع نقص كبير في المياه وخدمات الصرف الصحي والرعاية الصحية. عاش الناس في أماكن مكشوفة من دون مأوى، أو في حرم المدارس التي تحولت إلى أماكن تجمع مؤقتة. بدأ موسم الأمطار على قدم وساق، وكان من الواضح أن الأمراض ستنتشر قريبًا.

تُرك الأشخاص الأشد حاجة، مثل كبار السن والنساء الحوامل والأطفال، من دون دعم عاجل، معتمدين فقط على الأعمال الخيرية. وكان مئات آلاف النازحين السودانيين في حاجة ماسة إلى الدعم في ظل نقص شديد في الموارد. عمل فريقنا بلا توقف، ولكن الطلب تجاوز قدراتنا بكثير، وكنا نخشى أن ينهار الوضع من دون تكثيف الجهات الإنسانية الأخرى لحجم المساعدات التي توفّرها.

ومع بداية الاستجابة لتفشي الكوليرا في أغسطس/آب 2024، كنا قد أنشأنا مركزًا لعلاج الكوليرا في المدينة. ولكن مع التدفق الجديد للنازحين، ارتفع عدد الإصابات بشكل ملحوظ، مما اضطرنا إلى توسيع المركز وإضافة المزيد من الأسرّة وزيادة الإمدادات، حتى وصت طاقته الاستيعابية إلى 60 سريرًا. ومع نهاية عام 2024، كان فريقنا قد قدم العلاج إلى 3,016 مصابًا بالكوليرا.

تمثّل أحد أكبر التحديات يتمثل في عدم توفر المياه النظيفة. فخلال موسم الأمطار، تلوثت مصادر المياه، ولم يبقَ أمام الناس من خيار سوى أن يشربوا المياه الملوثة من الأرض، مما عرضهم لخطر كبير.

تخيلوا أن الحيوانات والبشر كانوا يشربون من مصادر المياه نفسها في طريقهم إلى القضارف. وفي مواجهة هذه الظروف، وزّعنا 3.6 مليون متر مكعب من المياه الصالحة للشرب، كما قمنا ببناء 210 مراحيض طارئة لتخفيف المعاناة.

وإلى جانب علاج المرضى، عملنا على رفع مستوى الوعي في المجتمعات المحلية باستخدام جميع الوسائل الممكنة، إذ عملنا على نشر الرسائل الصحية وتوزيع الملصقات وتقديم النصائح حول كيفية التخفيف من انتشار الكوليرا.

 

أطباء بلا حدود ليست وحدها

لا يمكن الحديث عن الاستجابة من دون التطرق إلى تفاني موظفي وزارة الصحة والمتطوعين في القضارف. فلولا هذا الدعم، لما تمكنّا من الاستجابة بفعالية كما فعلنا. تظل هذه التجربة تذكيرًا مهمًا بأن قوة العمل الإنساني تكمن في أولئك الذين يلتزمون بدعم مجتمعاتهم في أوقات الأزمات.

Love amid cholera: Our story from Sudan

وبينما أتحدث عن تضامن وتفاني الكثيرين، عليّ أن أخصّ بالذكر زوجي كوكو. فعلى الرغم من أنه أمضى معظم وقته في مهام دولية مع أطباء بلا حدود، إلا أنه كلما وقعت حالة طارئة في السودان، كان يعود لخدمة بلده. وعندما اندلعت الحرب، عاد من جديد وانضم إليّ في القضارف هذه المرة، حيث استجبنا لاحتياجات النازحين وأنشأنا عيادات متنقلة وقدمنا الدعم الأساسي.

تمر عليّ أيام كثيرة أشعر فيها بالإرهاق وفقدان الأمل، ولكن ما يدفعني للاستمرار هو معرفة أن عائلتي المُحبَّة تقف إلى جانبي وتدعم بعضها البعض. نحن ننتظر أفقًا جديدًا - زمن السلام حيث يمكننا العودة إلى منزلنا العائلي الكبير، وإعادة بناء ما خلّفته الحرب، والتطلع إلى المستقبل بآفاق يملؤها الأمل.